آخر تحديث :الأربعاء-24 سبتمبر 2025-12:17م

اخبار وتقارير


مخططات أمنية وحملات قمعية.. ذكرى "ثورة سبتمبر" تكشف تآكل شعبية الحوثيين

مخططات أمنية وحملات قمعية.. ذكرى "ثورة سبتمبر" تكشف تآكل شعبية الحوثيين

الأربعاء - 24 سبتمبر 2025 - 12:04 م بتوقيت عدن

- تقرير عبداللاه سميح

قالت مصادر أمنية وحقوقية يمنية، إن محافظتي صنعاء وإب، تعيشان حالة استنفار غير مسبوقة مع اقتراب ذكرى ثورة الـ26 من سبتمبر، إذ كثف الحوثيون الانتشار الأمني والعسكري، في خطوة تعكس حجم القلق الذي يسيطر على الميليشيا من أي تحركات شعبية مناوئة.

ويرى مراقبون أن هذا الاستنفار يؤكد إدراك الحوثيين تآكل حاضنتهم الاجتماعية وتنامي السخط الشعبي؛ ما يدفعهم إلى تشديد القبضة الأمنية، وتبرير القمع بخطاب "المؤامرة الخارجية"، في محاولة لطمس رمزية الثورة التي أسست للجمهورية، وتتناقض جذريًّا مع "مشروعهم السلالي".


وذكرت مصادر لـ"إرم نيوز"، أن ميليشيا  الحوثي شرعت في تنفيذ خطة أمنية واسعة أقرّها جهاز "أمن الثورة" المستحدث، والواقع تحت إشراف مباشر من زعيم الميليشيا عبدالملك الحوثي، تقوم بموجبها آلاف العناصر الأمنية والاستخباراتية بالانتشار في عدد من المدن الرئيسية الخاضعة لسيطرتهم، لمواجهة ما وصفته بـ"التحديات الأمنية المتفاقمة".

وأوضحت المصادر أن وحدات من "الأمن الوقائي"، وجهازي "استخبارات الشرطة" و"الأمن والمخابرات"، إلى جانب وحدات عسكرية متخصصة، تشارك في عملية الانتشار التي تشمل العاصمة صنعاء ومركز محافظة إب ضمن مرحلة أولية، تمهيدًا لتعميم الخطة الأمنية المشددة على مناطق أخرى.

وأضافت المصادر أن الحوثيين دشنوا، الثلاثاء، انتشار وحدات مرورية سرية للمرة الأولى في العاصمة، كُلفت بضبط المواكب الاستعراضية والتجمعات المرورية ومخالفي أنظمة السير، في خطوة تتعارض مع صلاحيات شرطة المرور.

وبيّنت أن هذه الإجراءات ترافقها حملة اعتقالات واسعة طالت عشرات الناشطين السياسيين والمؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي في صنعاء وإب وحجة والحديدة وتعز، في إطار مساعٍ لتعزيز القبضة الأمنية وفرض السيطرة على أي تحركات شعبية مرتقبة، وسط احترازات أمنية مشددة لحماية القيادات السياسية والعسكرية للجماعة، على خلفية ما قالت إنه "اختراقات  إسرائيلية أخيرة".

تآكل الحاضنة
وفي بيان أكثر حدة، حذّرت وزارة الداخلية التابعة للحوثيين، الثلاثاء، من ما وصفته بـ"مخططات أمريكية – إسرائيلية معادية" تستهدف "ضرب الجبهة الداخلية وإثارة الفوضى عبر استغلال ذكرى 26 سبتمبر"، معتبرة ذلك "محاولة بديلة بعد فشل الولايات المتحدة وبريطانيا في منع الشعب اليمني من نصرة الفلسطينيين، وفي ظل استمرار العدوان الإسرائيلي وعجزه عن وقف عملياتنا المساندة لغزة".

ومنعت الميليشيا أي احتفالات شعبية "خارجة عن المناسبات الوطنية التي ستقام بشكل رسمي ومنظّم"، متوعدة بالتصدي لـ"كل من تسوّل له نفسه التورط في خدمة الأعداء أو السقوط في مستنقع الخيانة والعمالة"، حسب تعبيرها.

ويقول وكيل وزارة العدل لدى الحكومة اليمنية، فيصل المجيدي، إن "الحوثيين يخشون في هذه المناسبة الوطنية، من أي تعبيرات شعبية رافضة لمشروع الميليشيا القائم حاليًّا والمتصل بحكم الإمامة السابق في شمال البلاد، الذي أطاح به اليمنيون بثورة الـ26 من سبتمبر في العام 1962، إيذانًا بإرساء النظام الجمهوري".

وأشار المجيدي، في تصريح لـ"إرم نيوز"، إلى أن الميليشيا باتت تدرك تآكل حاضنتها الشعبية وأنها مجرد "مغتصبة للسلطة ومؤسسات الدولة"؛ ما يجعلها في حالة قلق دائم من الشعب، الذي يعي – بحسبه – أنها بعيدة عن أي تفاعل وطني.

وأضاف أن الميليشيا تعمد في مثل هذه المناسبات إلى تشديد إجراءاتها القمعية لبث الرعب وترويع المواطنين، في محاولة متكررة كل عام لثنيهم عن أي انتفاضة محتملة.

الارتباك الأمني
بدوره، يرى محلل الشؤون الأمنية، عاصم المجاهد، أن تحذيرات الحوثيين، "تكشف حقيقة الارتباك الأمني العميق داخل مناطق سيطرتهم، أكثر مما تعكسه التهديدات الخارجية".

وقال المجاهد لـ"إرم نيوز"، إن الميليشيا وأجهزتها الأمنية تدرك أن الاحتفالات الشعبية "تشكّل لحظة نادرة لالتقاء الناس خارج وصايتها؛ ما يفتح نافذة لإظهار الرفض الشعبي لها، دون الحاجة إلى فعل سياسي منظّم، وهو ما تعتبره تهديدًا مباشرًا للاستقرار المفروض بالقوة".

وبيّن أن الحديث عن "العدو الخارجي" في بيان الحوثيين يوفّر مبررًا مسبقًا لتنفيذ حملات القمع والاعتقالات، ويمنحها غطاء لإغلاق الفضاء العام والتضييق على أي نشاط شعبي، حتى وإن كان سلميًّا.

وذكر أن لغة البيان توضّح حالة الاستنفار الداخلي التي تعيشها الميليشيا، "في ظل مواجهتها لتحدٍ أمني أكبر، يتمثّل في تراجع حاضنتها وارتفاع مستويات التذمر والسخط الشعبي؛ ما يشكّل تهديدًا أشد تأثيرًا من الضربات العسكرية الخارجية".

وأضاف أن الحوثيين يسعون إلى نزع الطابع الشعبي العفوي عن هذه المناسبة الوطنية، وتحويلها إلى نشاط رسمي مراقب تحت وصايتها، لضمان بقاء الرسالة السياسية وردة فعل الشعب تحت سيطرتها الكاملة.

وأكد المجاهد، أن هذا السلوك الحوثي "يزيد تعميق الفجوة بين الجماعة والمجتمع، ويغذّي إحساسًا عامًّا بأن الخطر الحقيقي على استقرار اليمن لا يأتي من الخارج، بل من انسداد الأفق الداخلي وإجراءات الحوثيين التي أدت إلى فراغ سياسي يهدد استقرار البلد".

تهديد أيديولوجي
وخلال السنوات الأخيرة، نفذت ميليشيا الحوثي، حملات قمع واعتداءات مباشرة، طالت تجمعات المحتفلين بذكرى الثورة في صنعاء وإب والحديدة؛ ما أدى إلى إصابة المئات، فيما اعتقلت العام الماضي أكثر من 270 مدنيًّا، بينهم سياسيون وأكاديميون وصحفيون وأدباء، إثر دعواتهم للابتهاج بالمناسبة الوطنية.

ويشير رئيس منظمة "سام" الحقوقية، توفيق الحميدي، إلى أن سياسية القمع التي يكررها الحوثيون سنويًّا، تهدف إلى إسكات الذاكرة الجمعية لليمنيين، وتسعى لحجب أي رمزية قد تعيد الشعب في مناطق نفوذ الميليشيا، إلى "جذوره الجمهورية".

وقال في حديثه لـ"إرم نيوز"، إن ثورة سبتمبر تعدّ "نقيضًا مباشرًا لمشروع الحوثيين السلالي، ويرون فيه تهديدًا أيديولوجيًّا ووجوديًّا لشرعيتهم السياسية والفكرية".

وتحدث الحميدي عن الآثار السلبية العميقة التي تخلفها الممارسات القمعية على الفرد والمجتمع، من حيث زراعة الخوف والاحتقان، وتعميق الانقسام الفكري والسياسي.

وأوضح أن هذه الإجراءات القمعية، تبرز الميليشيا المدججة بالسلاح والتي تتحدى العالم بنظر عناصرها "هشّة وضعيفة، فاقدة للثقة أمام فكرة تحولت إلى جزء من الوعي والوجدان اليمني".

وأضاف الحميدي أن هناك تأثيرات على المدى البعيد، تزيد عزلة الحوثيين عن المجتمع، وتُضاعف روح التحدي الشعبي لهم؛ "إذ يتحول المنع إلى دافع إضافي للتمسك بالثورة والاحتفاء بها كفعل مقاومة رمزي ضد الاستبداد".