آخر تحديث :الأربعاء-15 أكتوبر 2025-08:34م

اخبار وتقارير


كيف حوّل الحوثـ.ـيون أماكن سيطرتهم لـ«سجن كبير»؟

كيف حوّل الحوثـ.ـيون أماكن سيطرتهم لـ«سجن كبير»؟

الأربعاء - 15 أكتوبر 2025 - 03:38 م بتوقيت عدن

- ((المرصد))العين الإخبارية:

منذ نحو عقد، يعيش اليمنيون في مناطق سيطرة الحوثيين تحت ظروف قاسية تتراوح بين القيود الأمنية والضغوط المعيشية وانعدام الحريات العامة.


فبين إدارة مركزية خاضعة لقيادة الجماعة، وتغييب ممنهج للمؤسسات المدنية، تحوّلت المناطق الخاضعة لهم إلى نموذج مصغّر لـ"الدولة تحت المليشيات"، حيث السياسة محصورة، والإعلام مراقب، والاقتصاد موجه لخدمة آلة الحرب والبقاء في الحكم.

وفي مقابلات لوكالة رويترز مع مئات اليمنيين الفارين من المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وصفوا الحوثيين بأنهم حركة مسلحة تقمع الأصوات المعارضة، وتدفع الناس إلى حافة الجوع، وتستغل المساعدات الغذائية الدولية لإكراه الآباء على تسليم أطفالهم للقتال في صفوفها.

وقال عبدالسلام، وهو مزارع في السابعة والثلاثين من عمره يعيش في مخيم للنازحين في اليمن بعد فراره من مناطق سيطرة الحوثيين "الناس بين المر والأمر منه... يخيروك إما تكون معنا وتاخد سلة (طعام) تسد الجوع أو لا، ويكون الخيار صعبا".

كحال كثيرين ممن تحدثت رويترز إليهم، طلب عبدالسلام الاكتفاء بذكر اسمه الأول، قائلا إن أفرادا من عائلته ما زالوا يعيشون تحت حكم الحوثيين.

تكشف هذه المقابلات مع مدنيين يمنيين وعشرات من موظفي الإغاثة، إلى جانب مراجعة وثائق داخلية لوكالات إغاثة تابعة للأمم المتحدة، كيف يحافظ الحوثيون على قبضتهم الحديدية: يفرضون طيفا واسعا من الضرائب على سكان فقراء، ويتلاعبون بنظام المساعدات الدولية، ويسجنون المئات.

كما تعرضت منظمات حقوق الإنسان والإغاثة لموجات من الاعتقالات، ففي أواخر أغسطس/آب، قال برنامج الأغذية العالمي إن 15 موظفا اعتقلوا عقب اقتحام سلطات الحوثيين مكاتب المنظمة في العاصمة صنعاء، ليرتفع عدد موظفي الإغاثة المحتجزين حاليا إلى 53.

يقول أبو حمزة، الذي فر من الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون قبل بضع سنوات "أحوال صعبة لا نقدر نتنفس". وأشار إلى أنه أمضى عاما في زنازين سجن تحت الأرض بسبب تحدثه علنا ضد الحوثيين خلال جلسات القات "إحنا محكومين بمليشيات تحكم بالدين".

وتراجع تمويل المانحين للمشاريع الإنسانية في اليمن، ويعزى ذلك جزئيا إلى استمرار الحوثيين في تحويل مسار المساعدات. وازداد الوضع سوءا في وقت سابق من هذا العام عندما نضب أكبر مصدر لتمويل أعمال الإغاثة الإنسانية في البلاد بعد أن خفضت إدارة ترامب المساعدات الخارجية، ما أنهى العديد من العمليات التي كانت تمولها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، ذراع واشنطن لتقديم المساعدات.

ومنذ هجوم حركة حماس في أكتوبر/تشرين الأول 2023، وجهت إسرائيل ضربات مدمرة لحماس في غزة ولجماعة حزب الله في لبنان، وكلاهما جزء مما يعرف بـ "محور المقاومة" الإيراني.

كما استهدفت الحوثيين، بما في ذلك هجوم في أغسطس/آب أسفر عن مقتل رئيس الوزراء المعين من قبل الحوثيين وعدد من الوزراء. كما أدى إلى مقتل عشرات من المدنيين حسب تصريحات الحوثيين.


ووفق الخبيرة اليمنية ميساء شجاع الدين الباحثة في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية فإن الحوثي استغلت حرب غزة لاكتساب زخم حيث أدركت الجماعة "أنها تستطيع استغلال حرب غزة وأصبحت مغرمة بصورتها الإقليمية والدولية الجديدة"، مضيفة أن "الغضب الشعبي تجاه الحوثيين يتصاعد على الأرض، حيث يتحمل اليمنيون وطأة الضربات الإسرائيلية الانتقامية".




تقديس الزعيم
وبحسب باحثين مختصين بالجماعة، يحكم الحوثيون عبر دائرة ضيقة من المقربين وأفراد العائلة، كما يعتمد زعيمهم عبدالملك الحوثي على بث الخوف. وتقول منظمات لحقوق الإنسان وعدد من المحتجزين السابقين الذين قابلتهم رويترز إنه جرى اعتقال آلاف اليمنيين واحتجازهم بمعزل عن العالم الخارجي وتعذيبهم على يد الحوثيين.

ويؤكد عشرات من النازحين الذين تحدثت إليهم رويترز أن الحوثيين ينفذون حملات تعبئة أيديولوجية مكثفة، إذ يجُبر موظفو الدولة، بحسب قولهم، على حضور جلسات أسبوعية تبُث فيها محاضرات لعبد الملك الحوثي، فيما تنتشر صوره وكلماته على لوحات ضخمة في شوارع صنعاء.

ويقول عبد الملك، وهو معلم، إنه غادر مناطق سيطرة الحوثيين في يناير/كانون الثاني من العام الماضي بعدما أوقفه مشرف مدرسة حوثي عن العمل لرفضه حضور جلسات التعبئة.

وقال عبد الملك (40 عاما) "مافيش مرتب والحياة مستحيلة. والأسوأ لما يجي الحوثي عند البيت يلموا تبرعات يقولوا دعم لمسيرات غزة هذا بشكل أسبوعي".




سرقة المساعدات
بين 2015 و2024، جمعت الأمم المتحدة 28 مليار دولار لتلبية الاحتياجات الإنسانية في اليمن. ذهب نحو ثلث هذه الأموال، حوالي تسعة مليارات دولار، إلى برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة لإطعام ما يصل إلى 12 مليون شخص شهريا، معظمهم في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.

كما ضخت وكالات الأمم المتحدة الأخرى، بما في ذلك صندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) ومنظمة الصحة العالمية، مئات الملايين في المرافق الصحية وإمدادات الوقود والبرامج الغذائية.

لكن المساعدات في كثير من الأحيان لا تصل إلى مستحقيها حيث يتحكم بها الحوثيون ويوجهونها لجبهات القتال.

بالنسبة لفواز كانت المساعدات الدولية شريان حياة بعدما كان يعمل محاسبا قبل الحرب، ولكن بعد أن دمر القتال الاقتصاد اضطر لبيع ذهب زوجته لإطعام الأسرة.

الأب البالغ من العمر 47 عاما لديه ثمانية أطفال وتحدث إلي رويترز في مخيم للنازحين اليمنيين حيث يعيش الآن بعد فراره من مناطق الحوثيين في عام 2021.

يقول إنه حاول تسجيل اسمه في قائمة متلقي المساعدات في محافظة حجة التي يسيطر عليها الحوثيون. وأضاف أن السلطات المحلية الحوثية وضعته أمام خيارين: إذا أراد سلة غذائية، فعليه "الانضمام إلى مليشياتهم، والمشاركة في المسيرات الأسبوعية والهتاف ‘الموت لأمريكا‘".

وعندما رفض، وصفه مشرف حوثي بأنه "عدو" وقرر أنه "غير مستحق" للحصول على المساعدات، على حد قول فواز.

ووفقا لعشرات النازحين والمراقبين الميدانيين المحليين التابعين للأمم المتحدة وموظفي الإغاثة سيطر الحوثيون فعليا على سلسلة إمداد المساعدات الإنسانية.

على سبيل المثال، تتضمن قوائم المستحقين للمساعدات أسماء عدد كبير من الأشخاص الذين ليس لهم وجود أو "المستفيدين الأشباح"، وغالبا ما يكون أولئك الذين يتلقون المساعدات من الموالين للحوثيين مثل المسلحين.

وقال أحد موظفي الإغاثة لرويترز إنه من بين نحو تسعة ملايين شخص مسجلين لتلقي المساعدات في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون "لم نكن نعرف خمسة ملايين منهم".

دفع هذا التقويض لعملية المساعدات برنامج الأغذية العالمي إلى تجميد توزيع السلال الغذائية في عام 2023 في المناطق التي يديرها الحوثيون. وقال متحدث باسم البرنامج إن تعليق المساعدات في شمال اليمن عام 2023 "مرتبط بتعذر التوصل إلى اتفاق" مع سلطات الحوثيين بشأن تدابير تحديد المستفيدين الحقيقيين من المساعدات، مضيفا أن المنظمة "استأنفت عمليات توزيع طارئة محدودة في المناطق الأكثر عرضة للخطر" لتفادي المجاعة.

وقال المتحدث "في الوقت الحالي، توقفت جميع عمليات برنامج الأغذية العالمي في المحافظات الشمالية في اليمن".

كما مارس الحوثيون السيطرة على جمع بيانات الأمن الغذائي، والتي تشكل الأساس لتقييمات الجوع التي يجريها التصنيف المرحلي المتكامل. وتساعد هذه التقديرات البلدان المانحة على تحديد كيفية توزيع التمويل.

وعندما جمعت وكالات الأمم المتحدة بيانات لمسح التصنيف المرحلي المتكامل في عام 2023، اختار الحوثيون بأنفسهم العديد من جامعي البيانات وفقا لثلاثة محللين للأمن الغذائي شاركوا في العملية. وذكروا أيضا أن الحوثيين حددوا الأسر التي سيشملها المسح.

مكن ذلك الحوثيين من تضخيم مشكلة الجوع، حسبما ذكرت رويترز العام الماضي. وفي حين حاولت بعض الحكومات التي تواجه أزمة جوع التقليل من حجم المشكلة، فعل الحوثيون العكس، وبالغوا في ذلك في محاولة لجذب المزيد من التمويل الإنساني.

ولتقليل تدخل الحوثيين في جمع البيانات، اعتمدت منظمات الأمم المتحدة على جمع البيانات عن بعد من خلال المكالمات الهاتفية مع متلقي المساعدات لتقييم مستويات الجوع.

وحينما تواجه الأمم المتحدة قيودا أو تحديات، تلجأ أحيانا إلى متعاقدين خارجيين لتولي مهام مراقبة توزيع المساعدات وجمع البيانات عن المستفيدين من أجل استهداف الفئات الأشد احتياجا بشكل أفضل. وفي اليمن، كانت مهمة هؤلاء المراقبين هي الإشراف على مراكز توزيع المساعدات، وإجراء مقابلات مع المستفيدين، وتقديم تقارير إلى وكالات الأمم المتحدة والجهات المانحة بشأن أي انتهاكات يتم رصدها.

لكن الحوثيين أغلقوا فعليا عددا من هذه الجهات الرقابية إذ داهموا مكاتبها واحتجزوا موظفيها. وقال 12 موظفا في شركات مراقبة تعاقدت معها الأمم المتحدة لرويترز إنهم يخشون أداء مهامهم خوفا من انتقام السلطات الحوثية.

واقتيد عدنان الحرازي الرئيس التنفيذي لشركة برودجي سيستمز، إحدى شركات المراقبة الرئيسية، من مكتبه في يناير/كانون الثاني 2023، ووضع في الحبس الانفرادي واتهم بالتجسس لصالح دولة أجنبية. وفي يونيو/حزيران 2024، حُكم عليه بالإعدام. وتم تخفيف عقوبته لاحقا إلى السجن 15 عاما.

وقال برنامج الأغذية العالمي إن "المخاطر التي تهدد سلامة مراقبي الجهات الخارجية غير مقبولة وأثارت قلقا بالغا بشأن قدرتهم على أداء عملهم بفاعلية".

وذكرت وزارة الخارجية الأمريكية أن الحوثيين يحتجزون حاليا أكثر من 12 موظفا محليا حاليين وسابقين تابعين للحكومة الأمريكية بناء على "اتهامات كاذبة". واتهم الموظفون بالتجسس.

وتختلف الآراء داخل أوساط مانحي المعونة حول ما إذا كان ينبغي مواصلة العمليات الإنسانية في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. وأفاد ما لا يقل عن 12 موظفا حاليا وسابقا في الأمم المتحدة لرويترز بأن عدم وضع خطوط حمراء واضحة للحوثيين جعل وكالات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة متواطئة فعليا في السرقة الممنهجة للمساعدات بواسطة المليشيات.

وأوضح الموظفون، الذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم، أنه على الرغم من الانتهاكات المتكررة من قبل الحوثيين، واصلت الأمم المتحدة عملياتها، مما سمح باستمرار سرقة المساعدات على نطاق واسع. وذكر ثلاثة من موظفي برنامج الأغذية العالمي الحاليين والسابقين وثلاثة مراقبين خارجيين لرويترز أن منظمات الأمم المتحدة تعرف منذ سنوات أن بيانات الأمن الغذائي مغلوطة لكنها مع ذلك واصلت جمع البيانات وتحليلها.

وقال المتحدث باسم برنامج الأغذية "دأب البرنامج على اتخاذ إجراءات فورية عند ظهور أدلة موثوقة على تحويل المساعدات أو سرقتها، ورد علنا عند الضرورة" مشيرا إلى سلسلة من الإجراءات التي اتخذها البرنامج "لتحسين آليات الاستهداف وإدارة قوائم المستفيدين".

وأضاف أن البرنامج "اتخذ مرارا إجراءات سريعة عند الحاجة – بما في ذلك تعليق العمليات – لضمان وصول المساعدات الحيوية إلى مستحقيها بفاعلية وبتأثير ملموس، ودون أي تدخل خارجي".

تسرد دراسة داخلية أجريت بتكليف من برنامج الأغذية، بتاريخ يناير/كانون الثاني 2024، العديد من أشكال إساءة استخدام المساعدات التي اشتكى منها يمنيون لرويترز منها "مصادرة والاستيلاء على المواد الغذائية لإطعام المسلحين"، و"حجب الغذاء كوسيلة ضغط لتجنيد المقاتلين"، وإجبار الناس على القيام "بأنشطة غير مرغوب فيها للحصول على المساعدات، مثل ترديد شعار الحوثيين".

تجنيد الأطفال

وفر عشرات الآلاف من المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين هربا من الجوع أو شظف العيش أو السجن أو تجنيد أطفالهم في صفوف مسلحي الجماعة.

وذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش أنه منذ 2009 على الأقل، دأب الحوثيون على تجنيد الأطفال بشكل ممنهج في صفوف قواتهم. وأضافت أنه منذ اندلاع حرب غزة زاد عدد الأطفال المجندين بشكل كبير.

وجند الحوثيون عبد المغني السناني قسرا في سن العاشرة. قال إنه تعرض للسجن والضرب والتلقين العقائدي.

وقال لرويترز في مخيم مأرب للنازحين في المنطقة التي تسيطر عليها الحكومة في اليمن إنه تلقى تدريبا عسكريا وكلف بإيصال الإمدادات إلى جنود أطفال آخرين.

أعد مدربوه الحوثيون الأطفال للموت وقيل لهم إن الطريق إلى الجنة يمر عبر زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي.

يحكي السناني الذي يبلغ الآن 18 عاما "كانوا يقولوا لنا ما في داعي للصلاة... كان يعطونا محاضرات وكان يقولونا إن عبد الملك (الحوثي) بالختم حقه ندخل الجنة".

وتقول عشرات العائلات التي فرت من مناطق الحوثيين إنها عانت من ضرائب ورسوم باهظة فرضها الحوثيون.

وفتح أبو حمزة، وهو من قدامى المحاربين في الجيش وأب لخمسة أطفال، بقالة صغيرة في صنعاء لإعالة أسرته. لكن الضرائب المفروضة على أعماله قلصت دخله. اقترض حتى بلغت ديونه خمسة ملايين ريال يمني (حوالي 20 ألف دولار).

وقال إنه على الجانب الآخر من بقالته في صنعاء تكرر مشهد مرارا: شاحنات محملة بالمساعدات الإنسانية تحمل شعار برنامج الأغذية العالمي تدخل وتخرج من مدرسة يديرها حوثيون. وقال "الشاحنات تيجي في عز النهار تشيل المساعدات".

استمرت الضرائب في الارتفاع. وقال أبو حمزة إنه بينما أصبح يائسا، ضغطت عليه سلطات الحوثيين لحضور مسيرات يوم الجمعة حيث يملأ آلاف الأشخاص الشوارع. كما طلبوا منه الانضمام إلى قواتهم والذهاب للقتال "كانوا يقولوا نشتيك (نريدك) تروح معانا علي الجبهات".

وبحلول عام 2020 أفلس أبو حمزة وبدأ في بيع أثاثه وممتلكاته الأخرى بما في ذلك خنجر بمقبض ذهبي ورثه عن والده. وعندما نفد ما لديه من المال، كان يمشي إلى منطقة بعيدة عن المنزل حتى لا يراه جيرانه ويقف أمام مسجد ويمد يده يطلب المال. وفي عام 2021، فر مع عائلته إلى مأرب.