في عالم العطور، قلّما نجد مَن يستطيع أن يحيك الزمان والمكان، العراقة والحداثة، بلمسة واحدة. في هذا الحوار الاستثنائي، نغوص مع Francis Kurkdjian، المدير الإبداعي لعطور Dior، في أعماق رحلته مع إعادة ابتكار Miss Dior Essence.
- لقد وصفتَ Miss Dior Essence بأنه �تصريح مثير وجريء بأسلوب فن البوب�. كيف أثّر طابع أغنية Comic Strip لسيرج غينسبور في بنية هذا العطر؟
استلهمت من Comic Strip روح اللعب، التمرّد، ولمسة من ثقافة البوب المرِحة. هذه الطاقة ساعدتني على تشكيل العطر كعمل فني عطري جريء، ملوّن، وغير معتذر عن نفسه، تماماً كما يفعل فن البوب. هو ليس اقتباساً حَرفياً، بل موقف. رغبتُ في أن ينقل العطر إيقاع تلك الأغنية، إحساساً بالتحرر، الشباب المندفع، والأنوثة الجريئة التي لا تخشى التعبير.
- النوتات الفاكهية والحلوة مثل مربّى التوت البري وزهرة البيلسان تضيف لمسة متمرّدة. كيف حققت التوازن بين الدفء الحسّي والانتعاش في التركيبة؟
المفتاح هو التباين، مزجتُ بين النعومة الشهية لمربّى التوت وزهرة البيلسان، التي تحمل شيئاً من السكّرية والمرح، مع قاعدة خشبية وقلب زهري يمنحان العطر توازناً وأناقة. استلهمتُ زهرة البيلسان من مشروب Saint-Germain الذي كنت أستمتع به في جنوب فرنسا. ورغم أنها لا تُستخدم كنوتة طبيعية في العطور، أعدتُ تخليق عبيرها بتوليفة تشبه الليتشي والورد... إحساس منعش، جذّاب، لكنه غير مُثقل. والنتيجة، عطر غني ومعاصر، نابض بالحياة.
- احتفظت بالياسمين كصلة وصل مع Miss Dior الأصلية من عام 1948. ما دور قلب الزهرة هذا في الربط بين الماضي والحاضر في النسخة الجديدة؟
الياسمين هو روح Miss Dior. فقد وصفه Christian Dior بأنه �وُلد من ليالي بروفانس المضيئة باليراعات، حيث ينسجم الياسمين الأخضر مع لحن الليل والأرض�. هذا التصوّر الشعري كان دليلي. الياسمين الأخضر يحمل في طيّاته النضارة والحسّية معاً. هو الزهرة التي تتحدث بلغة الذكريات والتطور في آنٍ واحد. قررتُ استبعاد اللافندر، رغم وجوده القوي في تركيبة 1947، لأنني شعرت بأن الياسمين وحده كفيل بسرد قصة العطر الجديدة بلُغة عالمية عابرة للأجيال.
- يُقدَّم Miss Dior Essence كبيان عن الأنوثة الواثقة، كيف ترجمت رموز الموضة في عروض Dior كالتنانير الفوشيا القصيرة والشعارات الغرافيتي إلى لغة العطر؟
الترجمة كانت من خلال اللون والتباين. التنورة الفوشيا تحوّلت إلى نوتة فاكهية شهية، والشعارات الغرافيتية وجدت صداها في لمسة زهرة البيلسان المتمرّدة. العطر نابض بالحيوية والجرأة، لكنه متماسك ومنضبط. تخيّلت امرأة شابّة مرِحة، لكنها واعية، مرهفة ومتحكّمة، وهذا التوازن بين الحلاوة والرصانة، بين فن البوب والأناقة الكلاسيكية، هو ما استلهمته من عروض Dior وجسّدته في هذا العطر.
- القاعدة الخشبية الجريئة المرتكزة على خشب السنديان الغامق تُضفي عمقاً حسّياً. ما الذي تعبّر عنه هذه النفحة مقارنةً بالإصدارات السابقة من Miss Dior؟
خشب السنديان يضفي ثِقلاً ووقاراً على العطر. وهو ما يمنحه جذوراً أعمق، حضوراً أقوى، وصوتاً داخلياً أعلى. في حين كانت الإصدارات السابقة أكثر خفّةً أو زهورية، نجد هنا بُعداً جديداً يعبّر عن أنوثة حديثة لا تخاف من الظلال. الحسّية هنا لا تقتصر على الغواية، بل تنبع من الوعي والقوة والثقة بالنفس. إنه عطر له شخصية... وله رأي.
- تحدّثت عن هذا العطر كمكرّس لـ�شباب متهوّر� و�أنوثة فائقة�. كيف تعرّف هذه الأنوثة الحديثة من خلال عدسة العطور؟
الأنوثة اليوم لم تعُد مرتبطة بالهشاشة، هي وعي وألوان وتناقضات. الجيل الشاب يعيش في عالم معقّد، قلق مناخي، اضطرابات سياسية، وتغيّرات اجتماعية. ومع ذلك، هناك فرح، ومرح، ورغبة في العيش بكامل الشغف. أرى الأنوثة الحديثة مزيجاً من الجدّ واللعب، وهذا ما يعكسه العطر تماماً. إنه غني، ممتع، لكنه ثابت وواثق. فكرة �الأنوثة الفائقة� لا تعني المبالغة، بل احتضان كل أوجه المرأة، من دون اعتذار.
- يعود Miss Dior Essence إلى جذوره في 30 Avenue Montaigne، كيف أثّر إرث Catherine Dior في عمليتك الإبداعية لهذه النسخة المُعاد تصوّرها؟
بدأنا من الجذور، عدنا إلى الأرشيف، إلى تركيبة 1947، إلى بُنية الشيبر الكلاسيكية. Catherine Dior لم تكن فقط شقيقة Christian، بل امرأة قوية صامدة في زمنها، روحها جزء لا يتجزأ من Miss Dior. اخترنا العودة إلى تصميم القارورة الأصلية، نقشة �الهيرينغبون�، والغطاء الزجاجي بدلاً من البلاستيك، كتحية لتلك الأصول. كان هدفنا تكريم قوة Catherine وأناقتها، وجعل ذلك الإرث نقطة انطلاق لعطر عصري يتحدث إلى الجيل الجديد.